الخميس، 10 مارس 2011

التقنية وأثارها علي الشباب العربي


التقنية وأثارها علي الشباب العربي
(سيناريوهات ..... مستقبلية)






إعداد وتأليف
الدكتور
شريف محمد السعيد
تخطيط وسياسة اجتماعية


2011



ما بين عشية وضحاها أصبح العالم يعيش في ظل تقنيات واسعة المجال. جعلت من العولمة أمر واقعيا، وأصبح الغزو الثقافي حتمياً. وأثر ذلك علي الهوية والانتماء الوطني أو القومي علي حد سواء للشباب العربي.
ومع التطور السريع لتلك التقنيات، تزايد استمرار تعرض النسيج الثقافي الوطني والقومي للتمزق. ونتج عن ذلك العديد من الآثار علي الشباب العربي، وأصبح الشباب العربي موجهاً نحو اختيار احدي السيناريوهات التي من الممكن التعامل معها في ظل تلك الظروف الحتمية التي يتعايش معها أو يعيش فيها .
ونقصد بالتقنية تلك التطبيقات العلمية للعلم و المعرفة في جميع المجالات ، أو بعبارة أخرى كل الطرق التي يستخدمها الناس في اختراعاتهم واكتشافاتهم لتلبية حاجاتهم وإشباع رغباتهم. وعلى هذا، فإن التقنية تشمل استخدام الأدوات والآلات والمواد والأساليب ومصادر الطاقة لكي تجعل العمل ميسورًا وأكثر إنتاجيّة.
وأسهمت العلوم كثيرًا في التقنية الحديثة، ولكن لا تقوم كل أوجه التقنية على العلوم، وليست كل العلوم ضرورية لجميع التّقنيات. ولكن العلوم تحاول شرح كيفية حدوث التّقنيات ولماذا تحدث.
وتُستخدم كلمة تقنيه أحيانًا لوصف استخدام معين للتقنية. وتهدف التّقنيات المتخصصة إلى أهداف محددة وتطبيقات بعينها، كما أن لها أدواتها ووسائلها لتحقيق هذه الأهداف. وعلي الرغم من تنوع التّقنيات في هذا العالم من شبكات عنكبوتية إلي أطباق فضائية وتليفونات خلوية ....الخ، إلا أنه يمكن تقسيم التّقنيات على اختلاف أنواعها إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي:
-       تقنيه موفرة لرأس المال، ويفضل استخدامها في الدول النامية.
-       تقنيه موفرة للعمل، ويفضل استخدامها في الدول المتقدمة.
-       تقنيه محايدة، وهي التي تزيد رأس المال والعمل بنسبة واحدة، وتستخدم في معظم الدول علي اختلاف تصنيفاتها.
إلا إن المسألة باتت تتعلَّق بكيفيّة تصرُّف المواطن المستخدم لهذه التقنية، فهي جماد لا تقودنا إلى ما نفعله، وإنما نحن مَنْ يتحكَّم بها ويديرها. إذ إنَّ الأمر مرهون بتصرُّفاتنا. وهو ما يدفعنا نحو اختيار احدي السيناريوهات التالية التي تشكل حجم التأثيرات المختلفة لتلك التّقنيات من خلال اختيارات المواطن العربي في ظل ذلك العالم المتغير.

السيناريو الأول: ( الانجذاب الإيجابي)
   ويدعم مظاهر ذلك السيناريو توجهات الشباب الداعمة نحو الاستجابة إلي عوامل التقنية والانجذاب نحو تلك التّقنيات الحديثة، وذلك من خلال منهجية الانتقاء التي تعتمد علي الانفتاح علي العالم، وانتقاء ما يتناسب مع الجانب الوظيفي القيمي للمواطن العربي.
ومن خلال ذلك السيناريو نلاحظ إن المواطن العربي يسعى نحو التغير في الجانب الوظيفي علي حساب الجانب البنائي- ذلك الجانب الذي يمثل حجر الزاوية في المنهجية الأصولية للقومية العربية- من خلال أحياء بعض القيم العربية التي توارت بفعل الزمن والتي تتناسب مع العصر الحالي، والتي تركز بطبيعة الحال علي بعض المفاهيم الحقوقية. وذلك في توجه نحو قيم عصرية تدعوا إلي التحرر من القيود التي أبقت العالم العربي في قرون من التخلف عن التّقنيات المعاصرة.
لذا، فأننا نلاحظ إن المواطن العربي يتبنى بعض المفاهيم المتمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية. وذلك في دعوة للتمرد على المجتمع الذي يتعايش معه ولا يعيش فيه، حيث أصبح يعيش في عالم افتراضي من خلال شبكات عنكبوتية أو ما شابه ذلك من وسائل تقنية حديثة.
ومن خلال تكوين الصدقات اللانهائية التي تشكل تلك الرؤية وتدعمها، ومع الانفتاح بدئت تتشكل لغة جديدة لتلك الصدقات التي ما لبست إلي أن تحولت إلي مجتمعات افتراضية لا ينقصها إلا التنظيم البنائي ليتحول إلي مارد التغيير القادم في العالم العربي.
وتمثل تلك المجتمعات الافتراضية مجتمعات التغيير في الجانب الوظيفي لذلك العالم العربي المتحجر المحكوم بعقلية أمنية لا تنموية، وفي حركة غير مسبوقة لتلك المجتمعات الافتراضية بدأت الدعوة إلي الالتحام بالجنب البنائي للمجتمع الأصلي وتحولت المفاهيم الحقوقية إلي مطالب شرعية يدعمها مجتمع بنائي، وهو سر التحول إلي تلك التظاهرات في العالم العربي في دعوه إلي تصحيح المسار المحتوم.

السيناريو الثاني: ( الانجذاب السلبي)
   ويدعم مظاهر ذلك السيناريو توجهات الشباب الداعمة نحو الاستجابة إلي عوامل التقنية واستخدماها بشكلها الحالي دون بذل إي محاولة للتغيير. حيث أن هناك قناعة تامة بأن العالم الغربي يحظى بحظ أوفر من تلك التقنيات وليس هناك سبيل نحو التغير سواء في الجانب الوظيفي أو الجانب البنائي للمجتمع من خلال أرادة المواطن العربي. إلا إن التغيير يحدث بشكل تلقائي في أي جانب بدون قصد، حيث انه متروك لصاحب تلك التقنيات (العالم الغربي) والمتحكم بتوجيه تلك التقنية إلي حيث ما يريد وفي إي وقت يشاء.
وبالتالي فانه يتم التعامل مع التقنيات في ظل ذلك السيناريو بالاستجابة والقابلية للتقبل من العالم الغربي. ومن خلال ذلك بدأت تظهر بعض المشكلات في العالم العربي سواء كانت مشكلات مرتبطة بالجانب الوظيفي أو الجانب البنائي.   
وتمثلت تلك المشكلات في تقليص أو تقليل التَّفاعل الأسريّ بين الأفراد، وبالتَّالي فإنَّ عملية التَّفاعل اللَّفظيّ قلة، ويعد ذلك من المهددات الخطيرة التي تواجه الأسرة، حيث إنَّ غياب التَّفاعل بين أفراد الأسرة قد يؤدي إلى حدوث بعض المشكلات، منها التَّغاضي عن مشكلات الأبناء وعدم الاهتمام بها، نتيجة التَّركيز والانشغال المباشر بهذه البرامج الوافدة من التقنيات، إضافة إلى أنَّ صرف الوقت الطَّويل في التعامل مع تلك التقنيات سيؤدي إلى إنهاك الأفراد، وشعورهم بالتَّعب والإرهاق، وعندها لا يعير الآباء أهمية لِمَا يحدث في الأسرة من مشكلات، أو لا يأخذونها على محمل الجدّ؛ بل إنَّ هذا التعامل مع تلك التقنيات سيقلل من فرصة تعامل الآباء والأبناء الكبار مع الأطفال الصِّغار الذين هم في مرحلة حرجة من العُمُر.
ولا يمكن أن نقصر ذلك السيناريو علي تلك المشكلة السابقة فقط، بل أن الأمور تتحور بشكل كبير ويظهر من خلال المشكلة الواحدة العديد من المشكلات الفرعية. ويمكن الإشارة إلي بعض المشكلات ليس علي وجه الحصر ولكن من خلال أمثلة محتملة الظهور وتتمثل فيما يلي :
[1] نشر الثَّقافة الإباحيّة
[2] نشر ثقافة الشُّعور بالنَّقص
[3] نشر ثقافة العنف
[4] نشر ثقافة الاستهلاك
[5] نشر الثَّقافة المضادة للقيم الإسلاميّة
[6] نشر ثقافة القوّة
[7] انخفاض التحصيل الدراسي
[8] قتل الغيرة
[9] العزوف عن الزواج
[10] ارتكاب الجريمة
[11] نشر القدوة السيئة بين الناس
[11] السهر وتأخر النوم وتهميش الشباب
[11] الإنترنت من أجل التسلية وتكوين علاقات بين الجنسين
[11] عزلة الشباب
[11] الأضرار النفسية (إدمان الإنترنت/ فقدان التفاعل الاجتماعي/ التأثير على القيم
           الاجتماعية/ الإساءة إلى الأشخاص
)

السيناريو الثالث: (الرفض)
   ويدعم مظاهر ذلك السيناريو توجهات الشباب الغير داعمة نحو الاستجابة إلي عوامل التقنية واستخداماتها. حيث أن هناك قناعة تامة بأن تلك التقنيات غير ذات فائده، وقد يرجع ذلك في أغلب الأحيان للجهل باستخدامات تلك التقنيات وهم ما يطلق عليهم بالأغلبية المتبلدة (المتصلبة)، أو ربما يرجع إلي ما يطلق عليه برُهاب الإنترنت.
وفي ظل ذلك السيناريو يسعى الشباب العربي إلي مقاطعة معظم التقنيات وليس كلها، حيث يكتفي باستخدام التقنيات الضرورية التي تفرضها الحاجات الأساسية. كما أنه في واقع الأمر لا يجيدون استخدامها بالشكل الصحيح، حيث يقصر استخداماتها من خلال معاونين لهم من أقرانهم. وما يلبس ذلك السيناريو إلي التحول نحو احد السيناريوهات السابقة في حالة اكتساب الشاب الخبرة اللازمة للتعامل مع تلك التقنيات.     

السيناريو الرابع: (اعاده التطبيع)
ويدعم مظاهر ذلك السيناريو توجهات الشباب الداعمة نحو تعديل الاستجابة وعدم الانسياق وراء التيارات الغربية للتعامل مع التقنية بشكلها الحالي، وتطوير تلك التقنية وتطويعها واعاده تطبيعها واستخدماها بشكل يدعم بناء النهضة العربية، ويرجع ذلك لتطور استخدامات التقنية لدي تلك الشباب ومحاولتهم إيجاد ممر العبور نحو الأمل المفقود واستعادة الأمجاد العربية الغائبة. ويستلزم ذلك تغير بنائي وظيفي (راديكالي) قد يبدو للبعض انه يتبنى مرجعية معتدلة بعيداً عن تلك التيارات الدعوية المتطرفة. إلا إن تلك المرجعية علي الرغم من اعتدالها وسيطرتها في احد الفترات التاريخية القادمة، إلا أن التشكك فيها والتخوف من مرجعيتها الدينية وإشعال نيران الفتنة الطائفية علي ضفتيها ، يدفع البعض إلي سلك المنهجيات الفوضوية في محاولة للوصول إلي تلك الخديعة الميكيافلية فيما يدعي بالفوضى الخلاقة وهي احدي البرتوكولات المتعارف عليها لفئة بعينها وبدعم من إدارات حكومية مسيطرة علي العالم اجمع وذلك في محاولة للسيطرة علي العالم العربي.
وفي حالة تحقق تلك السيناريو كما هو مرسوم مسبقاً ترتفع صيحات الحقوقيين ليس في العالم العربي فقط، وإنما في العالم اجمع وبذلك ينقلب السحر علي الساحر ويعيش العالم في فوضة عارمة ربما لم يشهدها العالم اجمع. تنتهي به إلي حرب تقنية ربما تعود به إلي الوراء ليفقد كثير مما حققه من مكتسبات خلال القرون السابقة ليعود العالم إلي حيث ما كان عليه، وربما تكون تلك هي النهاية التي لما يتخيل احد أن العاقلين في ذلك الزمان يخططون نحو نهايتهم المحتومة.              
وتعد تلك السيناريوهات السابقة هي محاولة نحو استقراء المستقبل في ظل الواقع المتاح الذي نعيشه الآن في ذلك العلم المتغير الذي ربما نحيه غداً.