الخميس، 10 مارس 2011

التقنية وأثارها علي الشباب العربي


التقنية وأثارها علي الشباب العربي
(سيناريوهات ..... مستقبلية)






إعداد وتأليف
الدكتور
شريف محمد السعيد
تخطيط وسياسة اجتماعية


2011



ما بين عشية وضحاها أصبح العالم يعيش في ظل تقنيات واسعة المجال. جعلت من العولمة أمر واقعيا، وأصبح الغزو الثقافي حتمياً. وأثر ذلك علي الهوية والانتماء الوطني أو القومي علي حد سواء للشباب العربي.
ومع التطور السريع لتلك التقنيات، تزايد استمرار تعرض النسيج الثقافي الوطني والقومي للتمزق. ونتج عن ذلك العديد من الآثار علي الشباب العربي، وأصبح الشباب العربي موجهاً نحو اختيار احدي السيناريوهات التي من الممكن التعامل معها في ظل تلك الظروف الحتمية التي يتعايش معها أو يعيش فيها .
ونقصد بالتقنية تلك التطبيقات العلمية للعلم و المعرفة في جميع المجالات ، أو بعبارة أخرى كل الطرق التي يستخدمها الناس في اختراعاتهم واكتشافاتهم لتلبية حاجاتهم وإشباع رغباتهم. وعلى هذا، فإن التقنية تشمل استخدام الأدوات والآلات والمواد والأساليب ومصادر الطاقة لكي تجعل العمل ميسورًا وأكثر إنتاجيّة.
وأسهمت العلوم كثيرًا في التقنية الحديثة، ولكن لا تقوم كل أوجه التقنية على العلوم، وليست كل العلوم ضرورية لجميع التّقنيات. ولكن العلوم تحاول شرح كيفية حدوث التّقنيات ولماذا تحدث.
وتُستخدم كلمة تقنيه أحيانًا لوصف استخدام معين للتقنية. وتهدف التّقنيات المتخصصة إلى أهداف محددة وتطبيقات بعينها، كما أن لها أدواتها ووسائلها لتحقيق هذه الأهداف. وعلي الرغم من تنوع التّقنيات في هذا العالم من شبكات عنكبوتية إلي أطباق فضائية وتليفونات خلوية ....الخ، إلا أنه يمكن تقسيم التّقنيات على اختلاف أنواعها إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي:
-       تقنيه موفرة لرأس المال، ويفضل استخدامها في الدول النامية.
-       تقنيه موفرة للعمل، ويفضل استخدامها في الدول المتقدمة.
-       تقنيه محايدة، وهي التي تزيد رأس المال والعمل بنسبة واحدة، وتستخدم في معظم الدول علي اختلاف تصنيفاتها.
إلا إن المسألة باتت تتعلَّق بكيفيّة تصرُّف المواطن المستخدم لهذه التقنية، فهي جماد لا تقودنا إلى ما نفعله، وإنما نحن مَنْ يتحكَّم بها ويديرها. إذ إنَّ الأمر مرهون بتصرُّفاتنا. وهو ما يدفعنا نحو اختيار احدي السيناريوهات التالية التي تشكل حجم التأثيرات المختلفة لتلك التّقنيات من خلال اختيارات المواطن العربي في ظل ذلك العالم المتغير.

السيناريو الأول: ( الانجذاب الإيجابي)
   ويدعم مظاهر ذلك السيناريو توجهات الشباب الداعمة نحو الاستجابة إلي عوامل التقنية والانجذاب نحو تلك التّقنيات الحديثة، وذلك من خلال منهجية الانتقاء التي تعتمد علي الانفتاح علي العالم، وانتقاء ما يتناسب مع الجانب الوظيفي القيمي للمواطن العربي.
ومن خلال ذلك السيناريو نلاحظ إن المواطن العربي يسعى نحو التغير في الجانب الوظيفي علي حساب الجانب البنائي- ذلك الجانب الذي يمثل حجر الزاوية في المنهجية الأصولية للقومية العربية- من خلال أحياء بعض القيم العربية التي توارت بفعل الزمن والتي تتناسب مع العصر الحالي، والتي تركز بطبيعة الحال علي بعض المفاهيم الحقوقية. وذلك في توجه نحو قيم عصرية تدعوا إلي التحرر من القيود التي أبقت العالم العربي في قرون من التخلف عن التّقنيات المعاصرة.
لذا، فأننا نلاحظ إن المواطن العربي يتبنى بعض المفاهيم المتمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية. وذلك في دعوة للتمرد على المجتمع الذي يتعايش معه ولا يعيش فيه، حيث أصبح يعيش في عالم افتراضي من خلال شبكات عنكبوتية أو ما شابه ذلك من وسائل تقنية حديثة.
ومن خلال تكوين الصدقات اللانهائية التي تشكل تلك الرؤية وتدعمها، ومع الانفتاح بدئت تتشكل لغة جديدة لتلك الصدقات التي ما لبست إلي أن تحولت إلي مجتمعات افتراضية لا ينقصها إلا التنظيم البنائي ليتحول إلي مارد التغيير القادم في العالم العربي.
وتمثل تلك المجتمعات الافتراضية مجتمعات التغيير في الجانب الوظيفي لذلك العالم العربي المتحجر المحكوم بعقلية أمنية لا تنموية، وفي حركة غير مسبوقة لتلك المجتمعات الافتراضية بدأت الدعوة إلي الالتحام بالجنب البنائي للمجتمع الأصلي وتحولت المفاهيم الحقوقية إلي مطالب شرعية يدعمها مجتمع بنائي، وهو سر التحول إلي تلك التظاهرات في العالم العربي في دعوه إلي تصحيح المسار المحتوم.

السيناريو الثاني: ( الانجذاب السلبي)
   ويدعم مظاهر ذلك السيناريو توجهات الشباب الداعمة نحو الاستجابة إلي عوامل التقنية واستخدماها بشكلها الحالي دون بذل إي محاولة للتغيير. حيث أن هناك قناعة تامة بأن العالم الغربي يحظى بحظ أوفر من تلك التقنيات وليس هناك سبيل نحو التغير سواء في الجانب الوظيفي أو الجانب البنائي للمجتمع من خلال أرادة المواطن العربي. إلا إن التغيير يحدث بشكل تلقائي في أي جانب بدون قصد، حيث انه متروك لصاحب تلك التقنيات (العالم الغربي) والمتحكم بتوجيه تلك التقنية إلي حيث ما يريد وفي إي وقت يشاء.
وبالتالي فانه يتم التعامل مع التقنيات في ظل ذلك السيناريو بالاستجابة والقابلية للتقبل من العالم الغربي. ومن خلال ذلك بدأت تظهر بعض المشكلات في العالم العربي سواء كانت مشكلات مرتبطة بالجانب الوظيفي أو الجانب البنائي.   
وتمثلت تلك المشكلات في تقليص أو تقليل التَّفاعل الأسريّ بين الأفراد، وبالتَّالي فإنَّ عملية التَّفاعل اللَّفظيّ قلة، ويعد ذلك من المهددات الخطيرة التي تواجه الأسرة، حيث إنَّ غياب التَّفاعل بين أفراد الأسرة قد يؤدي إلى حدوث بعض المشكلات، منها التَّغاضي عن مشكلات الأبناء وعدم الاهتمام بها، نتيجة التَّركيز والانشغال المباشر بهذه البرامج الوافدة من التقنيات، إضافة إلى أنَّ صرف الوقت الطَّويل في التعامل مع تلك التقنيات سيؤدي إلى إنهاك الأفراد، وشعورهم بالتَّعب والإرهاق، وعندها لا يعير الآباء أهمية لِمَا يحدث في الأسرة من مشكلات، أو لا يأخذونها على محمل الجدّ؛ بل إنَّ هذا التعامل مع تلك التقنيات سيقلل من فرصة تعامل الآباء والأبناء الكبار مع الأطفال الصِّغار الذين هم في مرحلة حرجة من العُمُر.
ولا يمكن أن نقصر ذلك السيناريو علي تلك المشكلة السابقة فقط، بل أن الأمور تتحور بشكل كبير ويظهر من خلال المشكلة الواحدة العديد من المشكلات الفرعية. ويمكن الإشارة إلي بعض المشكلات ليس علي وجه الحصر ولكن من خلال أمثلة محتملة الظهور وتتمثل فيما يلي :
[1] نشر الثَّقافة الإباحيّة
[2] نشر ثقافة الشُّعور بالنَّقص
[3] نشر ثقافة العنف
[4] نشر ثقافة الاستهلاك
[5] نشر الثَّقافة المضادة للقيم الإسلاميّة
[6] نشر ثقافة القوّة
[7] انخفاض التحصيل الدراسي
[8] قتل الغيرة
[9] العزوف عن الزواج
[10] ارتكاب الجريمة
[11] نشر القدوة السيئة بين الناس
[11] السهر وتأخر النوم وتهميش الشباب
[11] الإنترنت من أجل التسلية وتكوين علاقات بين الجنسين
[11] عزلة الشباب
[11] الأضرار النفسية (إدمان الإنترنت/ فقدان التفاعل الاجتماعي/ التأثير على القيم
           الاجتماعية/ الإساءة إلى الأشخاص
)

السيناريو الثالث: (الرفض)
   ويدعم مظاهر ذلك السيناريو توجهات الشباب الغير داعمة نحو الاستجابة إلي عوامل التقنية واستخداماتها. حيث أن هناك قناعة تامة بأن تلك التقنيات غير ذات فائده، وقد يرجع ذلك في أغلب الأحيان للجهل باستخدامات تلك التقنيات وهم ما يطلق عليهم بالأغلبية المتبلدة (المتصلبة)، أو ربما يرجع إلي ما يطلق عليه برُهاب الإنترنت.
وفي ظل ذلك السيناريو يسعى الشباب العربي إلي مقاطعة معظم التقنيات وليس كلها، حيث يكتفي باستخدام التقنيات الضرورية التي تفرضها الحاجات الأساسية. كما أنه في واقع الأمر لا يجيدون استخدامها بالشكل الصحيح، حيث يقصر استخداماتها من خلال معاونين لهم من أقرانهم. وما يلبس ذلك السيناريو إلي التحول نحو احد السيناريوهات السابقة في حالة اكتساب الشاب الخبرة اللازمة للتعامل مع تلك التقنيات.     

السيناريو الرابع: (اعاده التطبيع)
ويدعم مظاهر ذلك السيناريو توجهات الشباب الداعمة نحو تعديل الاستجابة وعدم الانسياق وراء التيارات الغربية للتعامل مع التقنية بشكلها الحالي، وتطوير تلك التقنية وتطويعها واعاده تطبيعها واستخدماها بشكل يدعم بناء النهضة العربية، ويرجع ذلك لتطور استخدامات التقنية لدي تلك الشباب ومحاولتهم إيجاد ممر العبور نحو الأمل المفقود واستعادة الأمجاد العربية الغائبة. ويستلزم ذلك تغير بنائي وظيفي (راديكالي) قد يبدو للبعض انه يتبنى مرجعية معتدلة بعيداً عن تلك التيارات الدعوية المتطرفة. إلا إن تلك المرجعية علي الرغم من اعتدالها وسيطرتها في احد الفترات التاريخية القادمة، إلا أن التشكك فيها والتخوف من مرجعيتها الدينية وإشعال نيران الفتنة الطائفية علي ضفتيها ، يدفع البعض إلي سلك المنهجيات الفوضوية في محاولة للوصول إلي تلك الخديعة الميكيافلية فيما يدعي بالفوضى الخلاقة وهي احدي البرتوكولات المتعارف عليها لفئة بعينها وبدعم من إدارات حكومية مسيطرة علي العالم اجمع وذلك في محاولة للسيطرة علي العالم العربي.
وفي حالة تحقق تلك السيناريو كما هو مرسوم مسبقاً ترتفع صيحات الحقوقيين ليس في العالم العربي فقط، وإنما في العالم اجمع وبذلك ينقلب السحر علي الساحر ويعيش العالم في فوضة عارمة ربما لم يشهدها العالم اجمع. تنتهي به إلي حرب تقنية ربما تعود به إلي الوراء ليفقد كثير مما حققه من مكتسبات خلال القرون السابقة ليعود العالم إلي حيث ما كان عليه، وربما تكون تلك هي النهاية التي لما يتخيل احد أن العاقلين في ذلك الزمان يخططون نحو نهايتهم المحتومة.              
وتعد تلك السيناريوهات السابقة هي محاولة نحو استقراء المستقبل في ظل الواقع المتاح الذي نعيشه الآن في ذلك العلم المتغير الذي ربما نحيه غداً.

الاثنين، 7 مارس 2011

الاستبعاد الاجتماعي


من الاستبعاد الاجتماعي إلى التماسك الاجتماعي
ندوة روسكيلدة (استراتيجيات جديدة للتنمية)
الدنمارك  2-4 مارس 1995

تأليف :صوفي بسيس

ترجمة الدكتور
شريف محمد السعيد
تخطيط وسياسة اجتماعية

أشراف
الأستاذ الدكتور
طلعت السروجي
عميد كلية الخدمة الاجتماعية
 الأسبق جامعة حلوان

                    عرض الثلاثاء 1/2/2011
جماعة أقرأ وفكر
المؤلفة في سطور:
ولدت في عام 1947 في مدينة تونس، وهي مؤرخة وصحافية فرنسية تنحدر من عائلة يهودية تونسية، حصلت على شهادة التبريز في التاريخ، ثم أصبحت محررة في مجلة جون أفريك (إفريقيا الفتاة) وفي بريد اليونسكو (Courrier de l'Unesco). وتشغل حاليا مدير بحوث معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، كما تتولى نائب الأمين العام للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى أنها درّست طويلا الاقتصاد السياسي للتنمية في قسم العلوم السياسية في جامعة السوربون، فهي خبير استشاري لليونسكو ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وقد قامت بالعديد من المهام في إفريقيا.
مؤلفاتها:
·       الحبيب بورقيبة، السيرة الذاتية (بالاشتراك مع سهير بلحسن) في مجلدين، الناشر جون أفريك، باريس، 1988.
·       الغرب والآخرون : تفوق تاريخ ، الناشر لاديكوفارت، باريس، 2003.
·       العرب، المرأة، الحرية، الناشر ألبان ميشال، باريس، 2007.
الهدف من الندوة:
·       توضيح مظاهر الأزمة الاجتماعية من الاستبعاد الاجتماعي إلى التماسك الاجتماعي.
·       تبني خطة عمل تلزم الدول اتخاذ إجراءات فعالة ضد الفقر ، والبطالة ،
و الاستبعاد الاجتماعي
.
·       مقترحات للسياسات الاجتماعية للحكومات المختلفة.
محتويات المقالة:
·       الاستبعاد الاجتماعي
·       العولمة
·       من دولة الرفاهية إلى مجتمع الرعاية
·       مقترحات لتحقيق التماسك الاجتماعي




أن التنمية المستدامة قادرة علي منع الفصل العنصري الاجتماعي والكوارث البيئية. كما أن الفقر والاستبعاد وانعدام المساواة منذ نهاية الحرب الباردة ، من الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار في العالم. وهي أحدي نتائج العولمة . ومن أسباب العولمة:
1- تطوير وسائل النقل وتكنولوجيا الاتصالات .
2- التخلي عن نظام أسعار الصرف الثابتة و انتشار العملات الأوروبية.
3-  انتهاء القيود المفروضة على حركة من رأس المال.
4- ظهور الشركات عابرت القارات.
5- التكتلات السياسية التي سادت في جميع أنحاء العالم في العصر الحديث.
وقد أدى هذا النظام العالمي الجديد إلى أزمة الدولة القومية ، وتعدد الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعد من الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة الاستبعاد والفقر المدقع في العالم.
وهذه الاضطرابات تمثل واحدة من أهم التحديات التي تواجه صناع القرار، والتي تنذر بتغيرات عميقة، كما تولد أزمة اجتماعية مداها أصبح واضح أكثر من أي وقت مضى. وهذه الأزمة الاجتماعية موجودة على نطاق العالم أجمع، إلا أن بلدان الجنوب تمثل الغالبية الساحقة من أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع، وكذلك البلدان الاشتراكية سابقا والتي دفعت ثمنا باهظا من أجل سرعة الانتقال إلى اقتصاد السوق، وذلك بأستثناء دول النمور.
وتتسع الهوة بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، نتيجة التوزيع غير المتكافئ في ثروة العالم وتلك من الأسباب الرئيسية للأزمة الاجتماعية المتنامية. والتي دفعت الكثير من الدول نحو تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. ويعد الاستقطاب الاجتماعي من أهم نتائج الاصلاحات الجارية.  
ويعد الاستبعاد الاجتماعي من اسباب الأزمة العالمية الاجتماعية التي صاحبت عولمة الاقتصاد. وعلى الرغم من أن غالبية البلدان الصناعية ، فضلا عن عدد كبير من البلدان النامية  شهدت نمو اقتصادي في السنوات القليلة الماضية ، إلا ان تلك البلدان غير قادرة على تخفيف المشاكل الاجتماعية أو كبح انتشار الفقر.
وانتشر مفهوم الاستبعاد أكبر من أي وقت مضى مع تفاقم الأزمة الاجتماعية. على عكس ما حدث أثناء الثورة الصناعية في القرن الماضي، ويبدو أن الاستبعاد قد حل محل الاستغلال الذي يعد احد الأسباب الرئيسية للفقر.
 وساهمت ثورة التكنولوجية في العقود القليلة الماضية في الاستقطاب الاجتماعي والتقليل من تهميش الأفراد والفئات المحرومة وذلك على نطاق العالم، في حين ان البلدان الأقل نموا تحتل مكان هامشي على نحو متزايد في إنتاج الثروة وفي شبكات التجارة العالمية.
ان الاستبعاد من العمل السبب الرئيسي لفقدان المراكز الاجتماعية. كما ان معدلات البطالة والعمالة الناقصة في جميع أنحاء من العالم تعطي فكرة عن حجم الإستبعاد الاجتماعي في العالم اليوم.
كما ان ظاهرتين الاستغلال والاستبعاد ، غير مستقلين تماما عن بعضها البعض. ويمكن القول ، بأن النجاحات التي حصلت عليها الدول الأوروبية لتحقيق الرفاه والنقابات العمالية في النضال ضد الاستغلال ساهم في استبعاد الشكل السائد من الظلم الاجتماعي؟ وقلل من الزيادة في عدد المستبعدين الذين يعيشون على هامش التيار الرئيسي للمجتمع، كما ان انتشار الاستبعاد الاجتماعي في جميع أنحاء العالم قد ساهم في تعزيز الاستغلال في سوق العمل.
أن الاستبعاد هو ظاهرة متعددة الأوجه ولكنه يختلف عن الفقر، فهو ( الإستبعاد الإجتماعي ) يحول دون تمتع الافراد والجماعات بالمشاركة الأقتصادية والسياسية والثقافية الكاملة.
ومصطلح الإستبعاد الإجتماعي تعريفيا هو الحرمان من الموارد والحقوق بالإضافة الى أنه مجموعة العوامل التي تحول دون مشاركة الفرد والجماعة في الأنشظة المجتمعية وعدم القدرة على التفاعل والإنصهار في بوتقة المجتمع الأوحد الذي يستوعب الكل بلا استثناء .
هذا وقد عرفت منظمة الأمم المتحدة الإستبعاد الإجتماعى بأنه: الافتقار الى الدخل والموارد لضمان سبل العيش المستدامة ؛ والجوع وسوء التغذية وسوء الصحة ، وقلة أو انعدام فرص الحصول على التعليم وغيرها من الخدمات الأساسية وزيادة معدلات الاعتلال والوفيات الناجمة عن الأمراض؛ التشرد والسكن غير الملائم ؛ السلامة البيئية والاجتماعية والتمييز، وعدم المشاركة في صنع القرار في الحياة المدنية والاجتماعية والثقافية. 
وعلي هذا فإن الإستبعاد الإجتماعي هو الذي يفرق بين البشر بل وبين كل المخلوقات وحتى الجماد فكلنا ندور فى حلقة  الإستبعاد الإجتماعي المفرغة ويبدو أن الفكاك من هذه الحلقه هو أمر شبه مستحيل على الأقل فى زماننا هذا .
وايضا الإستبعاد الإجتماعى لا يعني بالضرورة نقص المال أى الفقر رغم ان المال والدخل هو عامل أساسي فى تحدي نسبه الإستبعاد وشكله بل هو مجموعة من المشكلات والمعوقات التى تتراكم والتي تفرز شخصا غير مندمجا في مجتمعه.
من أسباب الاستبعاد الاجتماعي في العصر الحديث تقديم تعليم رديء للغالبية العظمى من أفراد المجتمع، وقصر التعليم الجيد على جماعة محددة في المجتمع.
وهناك ثلاثة أبعاد للاستبعاد، البعد الاقتصادي وهو منتج مباشرة من الفقر مثل الاستبعاد عن العمل والحرمان بالتالي من دخل منتظم. البعد الاجتماعي ويتعلق بوضع الفرد في المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى التمزق في النسيج الاجتماعي والتضامن.
وأخيرا ، البعد السياسي ويتعلق بوضع بعض الفئات من السكان -- مثل النساء والعرقية والدينية محرومون من كل أو جزء من نظمها السياسية -- الأقليات أو المهاجرين وحقوق الإنسان.
ويشير الاستبعاد إلي وجود تمزق في العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه دولة الرفاه وضعف أو غياب تماما في السياسات الاجتماعية، وغياب شبكة المؤسسات القادرة على تعزيز التقدم الاجتماعي .
ولتحول الاستبعاد الاجتماعي إلى تماسك اجتماعي يقتضي ذلك بعض الشروط من أجل التغيير كأولويات حاكمة للسياسة الاجتماعية، حيث يتم تقليل القيود المفروضة علي الحراك الاجتماعي. وإعادة تعريف دور الدولة، وتعزيز ربط المجتمع من أجل تحقيق التماسك الاجتماعي الدائم، وإعطاء معنى جديدة للديمقراطية، وصياغة عقد اجتماعي جديد، ووضع حد أدنى للأجور المتخذة كوسيلة لمكافحة الاستبعاد.

السبت، 5 مارس 2011

العدالة الاجتماعية



العدالة الاجتماعية
إعداد
الدكتور
شريف محمد السعيد
تخطيط وسياسة اجتماعية


 
هناك اختلاف واسع المجال بين المتخصصين لتحديد تعريف العدالة،
ويرجع ذلك لأختلاف طبيعة التخصصات ومحاولة كل تخصص ربط العدالة بمجاله الخاص. فهناك من يشير إلي أن العدالة هي التقدير الصحيح والاعتراف الكامل بحقوق وجدارة كل فرد واحترامها، وهناك من يعرفها بأنها الفضيلة والخصلة الأخلاقية اللتان تحفزان على القسطاس واحترام حقوق الغير.
بينما يشير البعض بأن العدالة هي إعطاء كل شخص حقه، ويميل البعض
بأن العدالة هي ممارسة الفضيلة والسلوك المستقيم في علاقتنا مع الآخرين.
والعدالة في اللغة تعني التوسط في الأمر من غير زيادة ولا نقصان، والعدل ضد الجور،
وتعديل الشئ تقويمه. 
ويرى الناس أن تحقيق العدل أعظم هدفاً في الحياة الإنسانية؛ ونلاحظ أن جميع المجتمعات الإنسانية دخلت في جدل كبير حول العدالة ومفاهيمها وسياقاتها، ولكنهم توزعوا متطلبات تحقيق العدالة ضمن مواثيقهم النظرية وبرامجهم العملية، بحسب خصائص واحتياجات كل مجتمع.
وبدون العدل سيبقى المجتمع متخلفا وراقدا في سبات عميق، وبدون
العدالة الاجتماعية سيبقى الأحمق في خانة الحكيم وسيبقى الجاهل في مركز المتعلم
وسيبقى الخائن في خانة المخلص، إن العدالة الاجتماعية تعني إلغاء المحسوبية والوساطات ومحاسبة المقصر بدلا من التستر عليه، والعدالة الاجتماعية تعني تكافؤ الفرص على ضوء
مقياس الكفاءة فقط.
و تسعي العدالة الاجتماعية لتحقيق التوازن بين حقوق الأفراد ومسئولياتهم
أو إلتزاماتهم اتجاه المجتمع، إلا أن جوهر العدالة الاجتماعية حلم إنساني عام في
القديم والحاضر والمستقبل أياً كان وضع الإنسان ومنطقته الجغرافية ومكونات
حضارته.  
ويستخدم مفهوم العدالة الاجتماعية في كثير من المجتمعات كشعار براق دون أن يحقق الكثير. بل إن النتائج تشير إلي غياب العدالة الاجتماعية في معظم المجتمعات، وحدوث انتهاكات لا حدود لها لحقوق أفراد المجتمع وحريتهم.
و العدالة الاجتماعية هي قيمة وليست مسألة غيبية إلا أن تطبيقها يكون نسبيا ، وتتّضح معالمها في المساواة بين الناس، وفي الكفاية والعدل، وفي الرّخاء، وفي حرية الفرد.
وتتضمن العدالة الاجتماعية :
أ-تحقيق  الحرية :
والحرية هي حالة التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، فهي تشمل التخلص من العبودية لشخص أو جماعة، والتخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما، أو التخلص من الإجبار والفرض.
كما أن الحرية هي إمكانية الفرد بدون أي جبر أو ضغط خارجي على إتخاذ قرار
أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة.
ويشير الدين الأسلامي الحنيف إلي الحرية حيث لا وساطة بين العبد وربه ، وذلك في قوله تعالي:﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ ( سورة البقرة الآية: 186 ). فهذه الآية تعطينا دافعاً كبيراً إلى أن نسأل الله وحده.
وكذلك فأن الدين الأسلامي الحنيف يشير إلي أنه لا قداسة لفرد بعينه فالبشر جميعا من أصل واحد ( كلكم لآدم وآدم من تراب )، ويشير الدين الأسلامي الحنيف إلي رفع قيمة التقوى والعمل الصالح كأساس في تقييم البشر، وذلك في قوله تعالي:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
( سورة الحجرات الآية: 13 ).  
وتكتسب قضية الحرية أهمية متزايدة في واقعنا العربي والاسلامي، بسبب أن معظم الحكومات هي في قائمة الدول المنتهكة لحرية مواطنيها وشعوبها. أما في المجال الدولي فنحن نجد أن انتهاك الحرية يمارس بصورة أوضح نتيجة لثنائية القيم بين الداخل والخارج، أو نتيجة للتكتلات الدولية أو المصالح السياسية أو النزعات العنصرية... فالحرية نموذج للمفاهيم التي يحاول الغرب فرض عالميتها على الشعوب الأخرى في إطار محاولته فرض سيطرته وخدمة مصالحه القومية وهو يستغل ذلك سياسياً، كما يحدث في العلاقات الدولية وفي الدفاع عن حرية بعض الأقليات بهدف زعزعة وضرب النظم السياسية المخالفة لقيمه وتوجهاته
أو الخارجة عن الشرعية الدولية والنظام الدولي. 
ب-اكتساب الحقوق :
 واكتساب الحقوق هي الحصول علي تلك الحقوق الأصلية في طبيعتها، والتي بدونها لا يستطيع الإنسان العيش كبشر. حيث إن حقوق الإنسان وحريته الأساسية تمكننا أن نطور ونستعمل على نحو كامل خصالنا الإنسانية وقدراتنا العقلية ومواهبنا، فهي تتميز بوحدتها وتشابهها، باعتبارها ذات الحقوق التي يجب الاعتراف بها واحترامها وحمايتها، لأنها جوهر ولب كرامة الإنسان.
ومن ضمن الحقوق الأساسية: الحق في الحياة، الأمان الشخصي، المحاكمة العادلة. ويلاحظ في ظل النظام الدولي الجديد أن فكرة حقوق الإنسان قد اكتسبت قوة جديدة من خلال الهيمنة الأمريكية المغلفة بغلاف إنساني لا يمكنه الصمود أمام أي اختبار حقيقي. هذا بالإضافة إلى أن مضمون حقوق الإنسان كما هو وارد في المواثيق الغربية والدولية ليست حقوق إنسان وإنما هي حقوق مواطن. ذلك أن ما يرد في سياق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من نصوص إنما يربط ما بين حقوق معينة وبين المواطن المنتمي لمجتمع بعينه مما يمنع الإنسان الآخر (الأجنبي) من ممارسة مثل هذه الحريات ومن التمتع بمثل هذه الحقوق وهو ما يقيد شمولية هذه الحقوق بقيود واعتبارات سياسية. إن هذه التحفظات على التصور الغربي لحقوق الإنسان ضرورية من أجل إبراز خصوصية التصور الإسلامي لهذه المسألة حيث الغاية الأساسية هي تحرير الإنسان الذي هو أكرم المخلوقات جعله الله خليفة في الأرض وزوده بالعقل وأراد من خلال الإسلام ومبادئه ونظمه، تحريره وحمايته وتكريمه.
فالإسلام بهذا المعنى، ينظر إلى الحقوق باعتبارها ضرورات فطرية بل واجبات.. فالأكل والملبس والسكن والأمن وحرية الفكر والاعتقاد والتعبد والتعلم والمشاركة في صياغة النظام العام للمجتمع والمراقبة ومحاسبة أولياء الأمور... واجبات لا يجوز إهمالها ولا يجوز لأحد أن يحول بين الإنسان وبين قيامه بهذه الواجبات والحقوق. إن هذه الحقوق ليست هبة من مخلوق، يعطي متى شاء ويمنع متى شاء، بل الله سبحانه وتعالى هو الذي أمر بها، فهي لأجل ذلك ثابتة ودائمة فالاستناد إلى شريعة الله، كما نرى، يرفع من قيمة هذه الحقوق المستمدة منها ويجعل الالتزام بها طاعة لله سبحانه مما يكسبها قداسة تمنع المؤمنين من تجاوزها، وهذا بحد ذاته يفرض منهجاً مختلفاً في التعامل مع مسألة حقوق الإنسان: لابد من تربية الإنسان الفرد والجماعة والسلطة على احترام هذه الحقوق بما يكفل قوة تأثيرها في الفرد والمجتمع والسلطة.
فتقرير حقوق الإنسان في الإسلام، شمل الحقوق الشخصية، والذاتية، والفكرية، والسياسية، والقانونية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأكد على الحريات العامة والمتنوعة.
وشمل الرجال، والنساء اللائي هنّ شقائق الرجال، كما ورد في الحديث، والأطفال، وهم الذرية الضعاف الذين تمتعوا بالرعاية الشرعية، كما شمل المسلمين وغير المسلمين، بما أقر من حرية التدين وما شرع لحمايتها.
ولا نأتي بجديد إذا أشرنا إلى أن المرأة في الرؤية الإسلامية، مخلوق كامل الأهلية، ومحل لخطاب التكليف كالرجل، فهي أهل للتملك والتصرف، والتفكير والتعبير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. بل نقول : لقد استدركت المرأة المسلمة في تاريخنا الثقافي، على كبار الصحابة.
ولقد جعل الإسلام حسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أعلى مراتب حق التفكير والتعبير، التي تشكل الحماية لهذه الحقوق، هي مسؤولية الفرد والجماعــة والــدولة، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب هؤلاء جميعًا، وبــه تتحقق خيريــة الأمـة، يقــول تعالــى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عـن المنكر وتؤمنون باللّه }، { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }، { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }.
وجعل ضمور هذه الحسبة، التي تحمي الحقوق، وتهميشها والتوقف عن ممارستها، سببًا للانقراض، ومجلبة للّعن وغضب اللّه، فقال تعالى : { لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون }.
وسوف نتناول بعض الحقوق تتمثل فيما يلي:
حرية التفكير والتعبير :
أن حرية التفكير والتعبير والضمير والتدين، أصل عقيدي في دين الإسلام، إذ الأساس في الاعتقاد الإخلاص، لذلك نرى أن إحدى سور القرآن سميت بسورة (الإخلاص)، وهي التي تلخص عقيدة التوحيد وتعرض لها.. وعقيدة الإيمان، تربي في نفس المؤمن الإصرار على اعتناق ما يراه حقًّا، والتعبير عنه، وعدم السماح للرياء والأهواء بالضغوط عليه.
ولعل حرية التدين، والنص على عدم الإكراه فيه، تأتي على قمة هذه الحريات. والأمر الذي لفت النظر حقًّا في هذا المجال، أن الإسلام تجـاوز عـن الخطأ ولم يحاسب عليه،
قال رسول اللّه "ص" : إن اللّه تجاوز ـ وفي روايــة : وضـع ـ عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، إلا في موضوع التفكير، فإنه اعتبر لإعمال الفكر والاجتهاد الخاطىء أجراً، وللمصيب أجريْن، ليمارس الناس إنسانيتهم، ويستعملوا عقولهم.
حق الفرد في كفالة الدولة :
يُراد بهذا الحق أن يجد الفرد ضمانًا عامًا من الدولة عند الحاجة والعوز، يقرر ذلك قول الرسول "ص" : "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته".
وقال الرسول الحاكم "ص" : "من كان معه فَضْلُ ظَهْرٍ فليَعُدْ به على ما لا ظهر له،
ومَن كان له فَضْلُ زادٍ فليَعُد به على مَن لا زاد له".
كفالة الدولة لغير المسلم :
وكفالة الدولة لرعاياها الفقراء، لا تقتصر على المسلمين فقط، بل تشمل غير المسلمين ما داموا فقراء يستحقون العون، ويكفي هنا أن نشير إلى ما كتبه الخلـيفة عـمر بـن عـبد العزيز رضي اللّه عنه إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة : "مــا بعد : وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فاجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه".
حق الجنسية لغير المسلم :
"الذمي"، هو المصطلح الذي يُطلق على غير المسلم في الدولة المسلمة، يتمتع بجنسية دار الإسلام، لأن جنسية الدولة الإسلامية تقوم على الإيمان والأمان، أي : إما بإسلام الشخص
أو بعقد الذمة، ولهذا نجد الفقهاء يقولون عن الذمي : إنه من أهل دار الإسلام، وأهل دار الإسلام يحملون جنسيتها، ولهم الحق في التنقل، والاعتقاد، والعبادة، وحُرمة المسكن..
ومن الوثائق المهمة المقررة لهذه الحقوق، عهد الرسول "ص" : لأهل نجران : "ألا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر". والرسول "ص" يقول : "لا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفسٍ، فأنا حجيجه يوم القيامة".
حق الحرية لغير المسلم :
الحرية الشخصية مضمونة لغير المسلمين، لأن القاعدة التي قررها الفقهاء : لهم ما لنا وعليهم ما علينا.. وأنهم كما يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : "إما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا".. وفي الحديث: "من آذى ذميًا فأنا خَصْمُه، ومن كنت خَصْمَه خَصَمْتُه يوم القيامة".
ولا بد هنا من التذكير بما وضعه الإسلام من ضوابط للحرية الشخصية بوجه عام، ذلك أن الحرية الشخصية المطلقة التي تؤكد عليها الحضارة الغربية، انتهت بالإنسان إلى تدمير نفسه، والعبث بأمنه واستقراره النفسي والمادي والأسري.
حيث أدت هذه الحرية المطلقة، إلــى وجـود أعـداد ضخمة ومخيفـة مـن الشـواذ، والأولاد غير الشرعيين، وحوادث الخيانات الزوجية، وحالات الاغتصاب، وتفشي الأمراض، المؤدية إلى الانقراض السكاني، وشيخوخة الشعوب، وتفكك الأسر، واتساع نطاق الجرائم والإصابات النفسية.
الأمر الذي يؤكد من جديد، أن الإنسان أعجز من أن يشرع لنفسه، وأنه متأثر بأهوائه وشهواته التي قد تدمره، وتعبث بأمنه واستقراره وتذهب بسعادته، الأمر الذي ما يزال العالم الإسلامي بمنأى عنه إلى حد ما، لما يتمتع به من بقية قيم إسلامية، ما يزال يحتفظ بها.
أما حرية العقيدة والعبادة، فشأنها معروف، يحكمها قوله تعالى : { لا إكراه في الدين }، ولا أدل على ذلك من الوجود الفعلي لغير المسلمين في الدولة الإسلامية، عبر التاريخ الطويل.
حق التملك :
اعترفت الشريعة بحق التملك والتصرف، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }، فنسبت المال إلى الإنسان.. لكن الشريعة الإسلامية تعتبر أن المالك الحقيقي للمال هو اللّه : { للّه ملك السماوات والأرض وما فيهنَّ }، وأن الإنسان
مستخلف في المال ووكيل عليه، قال تعالى : { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه }،
لذلك لا يجوز للإنسان أن يتصرف بالمال كسبًا ولا إنفاقًا، إلا طبقًا لشرع المالك الأصلي.. ومن هنا وضع الإسلام ضوابط للكسب وضوابط للإنفاق والتنمية، وأجازت نزع الملكية للضرورة، بعد دفع التعويض العادل.
حق العمل :
جعل الإسلام العمل حقًّا للإنسان وواجبًا عليه في الوقت نفسه، لكسب عيشه، حتى لا يكون عالة على غيره، لذلك قال الرسول "ص" للذين يعولون من انقطع عن العمل للعبادة : "كلكم أعبد منه".
واعتبر العمل عبادة، فقال تعالى : { فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه }. وقال الرسول "ص" : "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل اللّه،
أو القائم الليل، الصائم النهار".
إلا أن واقع المسلمين اليوم يدعو إِلى الحزن، فعلى الرغم من ميراثهم الثقافي العظيم، بالنسبة لغيرهم، فإنهم ينامون في النور، وغيرهم يستيقظ في الظلام، فالمشكلة اليوم ليست فيما شرعه وقرره الإِسلام للإنسان من حقوق، حيث لم يعد ذلك خافيـًا على أحد، وإِنما الإِشكالية الحقيقية التي يجب أن تُعقد لها الندوات والمؤتمرات، هي في النظر بكيفيات استرداد هذه الحقوق المسلوبة لعالم المسلمين، ومحاولة إِشاعتها في العالم كله، لإِلحاق الرحمة بالنـاس، استجابــة لقولــه تعــالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }.
ب- تحقيق المساواة :
هناك اختلاف بين مفهوم العدل والمساواة. فالعدل في اللغة ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور، أما المساواة هي التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تمييز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المستوى الاجتماعي.
وبمعني آخر فالعدل ان ينال كل ذي حق حقه، اما المساواة فهي ان ينال الجميع حقوق متساوية. ونضرب مثلاًًًًً بين تلاميذ صف واحد ..فتارة يمنح الاستاذ لجميع التلاميذ درجات متساوية، وتاره اخرى يمنح كل حقه، فما فعله الاستاذ اولاًًًً يعني المساواة، ومافعله ثانيا يعني العدل.
ولم يأت في القرآن أبداً‏:‏ أن الله يأمر بالمساواة‏!‏ لكن جاء‏:‏ ‏{‏إن الله يأمر بالعدل‏}‏
‏[‏النحل‏:‏ 90‏]‏، ‏{‏وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏‏.‏وأخطأ على الإسلام من قال‏:‏ إن دين الإسلام دين المساواة‏!‏ بل دين الإسلام دين العدل، ولهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة‏:‏‏{‏قل هو يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏}‏
‏[‏الزمر‏:‏ 9‏]‏،‏{‏هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 16‏]‏،‏
{‏لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 10‏]‏،‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 95‏]‏‏.‏
أما في شأن المساواة بين الرجل والمرأة فقد قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: 228]. فالمساواة بين الرجل والمرأة في أخذ الحقوق وأداء الواجبات، قيمة سامية، وغاية نبيلة، يسعى إليها الجميع، ذكرًا أو أنثى، إلا أنها أصبحت سلاحًا ذا حدين، يستخدمه أعداء المرأة في الداخل والخارج حيث جعلوا منها أداة لخدمة أهدافهم غير النبيلة.
وجاء الإسلام ووضع المرأة في مكانها الطبيعي، وأعاد إليها حقوقها ومكانتها التي سُلِبَتْ منها، تحت ظلام الجهل وفساد العادات والتقاليد.فأكد الإسلام على وحدة الأصل والنشأة بين الذكر والأنثى، فقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1].
ورفض الإسلام موقف المشركين وتبلد مشاعرهم، وعدم تفهمهم لدور المرأة في الحياة، وكونها أصيلة في نظام الحياة أصالة الذكر، بل هي المستقر له، فهي أشد أصالة لبقاء الأسرة، ولذلك نظر إليها الإسلام على أنها هدية من الله، وقدم القرآن ذكرها على الذكور، قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى: 49-50].
ولقد وضع الإسلام المرأة على بساط الاحترام والتكريم والمودة، بما يهيئ المجتمع نفسيًّا ليستقبل كل وليدة بصدر مطمئن ونفس راضية واثقة في عون الله، قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31].
كما كرم الإسلام المرأة وهي في مرحلة الشباب، فمنحها أهلية التعبير عن إرادتها في أخص شؤون حياتها، وهو تكوين بيتها واختيار زوجها، قال رسول الله (ص) : (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: (أن تسكت) [مسلم].
وجعل الإسلام للمرأة كيانًا متفردًا، ومنحها العديد من الحقوق كحرية التملك على قدم المساواة مع الرجل، قال تعالى : {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا}[النساء: 7].
واحترم الإسلام هذه الملكية وعززها بمنح المرأة حرية التصرف فيها، قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء: 4].
وساوى القرآن بينها وبين الرجل أمام القانون في الحقوق والواجبات؛ كحق إبرام العقود وتحمل الالتزامات، وحق الدفاع عن حقوقها أمام القضاء. فقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228].
وأما ما يقال عن أن بعض أحكام الإسلام فيها مساس بالمرأة كالميراث ؛ حيث يكون نصيبها نصف نصيب الرجل، وكالشهادة؛ فشهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، وكالطلاق، وتعدد الزوجات، فهذه الأمور هي في جوهرها تكريم للمرأة، وصون لمكانتها، فالفرق في هذه الأمور جاء – كالفرق بين العدل والمساواة- حفاظًا على كرامة المرأة، واحترامًا لطبيعة تكوينها:
- فأما عن الميراث وكونه نصف ميراث الرجل في بعض الحالات، فقد قابل الإسلام هذا الأمر بما يعادله في حق الرجل، فقد ألزم الشرع الكريم الرجل بالإنفاق على المرأة، في كل طور من أطوار حياتها، فالبنت في مسؤولية أبيها أو أخيها أو من يقوم مقامهما، والزوجة نفقتها على زوجها، ولا نفقة عليها، وقد قرر الله -تعالى- ذلك بقوله: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34]. وفي بعض الحالات قد يفوق ميراث المرأة ميراث الرجل بحسب القرابة، فليس الأمر دائمًا أن يكون ميراثها نصف ميراث الرجل.
- وأما بالنسبة للشهادة؛ فقد راعى الشارع الكريم في ذلك الخصائص النفسية للمرأة، فالمرأة عاطفية بحكم تكوينها النفسي، وقد تغلب عاطفتها؛ ولذا قال تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282].كما أن المرأة بطبيعة حركتها الاجتماعية لا تشاهد ما يشاهده الرجل، ولا تشترك فيما يكسبها الخبرة وما يؤهلها لعدم الخديعة ببعض المظاهر الكاذبة، وقد يوقعها ذلك في المحظور من حيث لا تشعر، ومع ذلك فقد أعطى الشرع الحنيف للمرأة حق الشهادة فيما تختص هي بممارسته، كالشهادة في الإطلاع على المولود عند الولادة ونحو ذلك؛ وذلك لأن الشهادة تتفاوت بحسب موضوعاتها، وقد تقبل شهادة المرأة منفردة، كما قدم شهادة المرأة فيما يخص أمور النساء كالولادة وغيرها.
- وأما عن الطلاق؛ فعاطفة المرأة غلابة، وغضبها قريب، ولذا أعطى الله للرجل سلطة
 التطليق المباشر لما يميزه من تريث وتحكيم للعقل قبل العاطفة، ولما يستشعره من عواقب الأمور، وفي الوقت نفسه لم يحرم الإسلام المرأة من طلب الطلاق، إذا وقع عليها من الضرر مالا تحتمله، أو ضاقت سبل العيش بينها وبين زوجها، وأصبح من المستحيل استمرار الحياة، وفي كلتا الحالتين يأخذ كل من الزوج والزوجة حقه.
- وبالنسبة لتعدد الزوجات؛ فهو علاج لكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل العاقر التي لا تنجب ويرغب زوجها في الولد ولا يريد فراقها، وكذلك زيادة عدد النساء عن الرجال في بعض الظروف مثل الحروب. كما أن المرأة هي وعاء النسل ومحضنه، ولا يعقل أن تطلب حق تعدد الأزواج لتختلط الأنساب وتضيع الأعراض، ومقابل ذلك شرط الإسلام العدالة عند التعدد والقسمة العادلة بين الزوجات. شقائق الرجال:
لقد جاء في الحديث الشريف، أن النبي (ص) قال: (إنما النساء شقائق الرجال) [أبو داود والترمذي]، فالرجل والمرأة سواء أمام الله، ورُبَّ امرأة تقية أكرم عند الله من الرجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]، فالجنة ليست وقفًا على الرجال دون النساء. ولقد ضرب القرآن الكريم المثل في الصلاح بالمرأة، فقال تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 11- 12]. لقد جاء الإسلام بقيم ومبادئ ترفع من مكانة المرأة وتصون لها كرامتها، ولكن ظهر الخطر وصوبت السهام ضد الإسلام والمسلمين، فهل تنتصر المسلمة لدينها وتصد كيد الطامعين؟! قال تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32].