السبت، 5 مارس 2011

العدالة الاجتماعية



العدالة الاجتماعية
إعداد
الدكتور
شريف محمد السعيد
تخطيط وسياسة اجتماعية


 
هناك اختلاف واسع المجال بين المتخصصين لتحديد تعريف العدالة،
ويرجع ذلك لأختلاف طبيعة التخصصات ومحاولة كل تخصص ربط العدالة بمجاله الخاص. فهناك من يشير إلي أن العدالة هي التقدير الصحيح والاعتراف الكامل بحقوق وجدارة كل فرد واحترامها، وهناك من يعرفها بأنها الفضيلة والخصلة الأخلاقية اللتان تحفزان على القسطاس واحترام حقوق الغير.
بينما يشير البعض بأن العدالة هي إعطاء كل شخص حقه، ويميل البعض
بأن العدالة هي ممارسة الفضيلة والسلوك المستقيم في علاقتنا مع الآخرين.
والعدالة في اللغة تعني التوسط في الأمر من غير زيادة ولا نقصان، والعدل ضد الجور،
وتعديل الشئ تقويمه. 
ويرى الناس أن تحقيق العدل أعظم هدفاً في الحياة الإنسانية؛ ونلاحظ أن جميع المجتمعات الإنسانية دخلت في جدل كبير حول العدالة ومفاهيمها وسياقاتها، ولكنهم توزعوا متطلبات تحقيق العدالة ضمن مواثيقهم النظرية وبرامجهم العملية، بحسب خصائص واحتياجات كل مجتمع.
وبدون العدل سيبقى المجتمع متخلفا وراقدا في سبات عميق، وبدون
العدالة الاجتماعية سيبقى الأحمق في خانة الحكيم وسيبقى الجاهل في مركز المتعلم
وسيبقى الخائن في خانة المخلص، إن العدالة الاجتماعية تعني إلغاء المحسوبية والوساطات ومحاسبة المقصر بدلا من التستر عليه، والعدالة الاجتماعية تعني تكافؤ الفرص على ضوء
مقياس الكفاءة فقط.
و تسعي العدالة الاجتماعية لتحقيق التوازن بين حقوق الأفراد ومسئولياتهم
أو إلتزاماتهم اتجاه المجتمع، إلا أن جوهر العدالة الاجتماعية حلم إنساني عام في
القديم والحاضر والمستقبل أياً كان وضع الإنسان ومنطقته الجغرافية ومكونات
حضارته.  
ويستخدم مفهوم العدالة الاجتماعية في كثير من المجتمعات كشعار براق دون أن يحقق الكثير. بل إن النتائج تشير إلي غياب العدالة الاجتماعية في معظم المجتمعات، وحدوث انتهاكات لا حدود لها لحقوق أفراد المجتمع وحريتهم.
و العدالة الاجتماعية هي قيمة وليست مسألة غيبية إلا أن تطبيقها يكون نسبيا ، وتتّضح معالمها في المساواة بين الناس، وفي الكفاية والعدل، وفي الرّخاء، وفي حرية الفرد.
وتتضمن العدالة الاجتماعية :
أ-تحقيق  الحرية :
والحرية هي حالة التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، فهي تشمل التخلص من العبودية لشخص أو جماعة، والتخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما، أو التخلص من الإجبار والفرض.
كما أن الحرية هي إمكانية الفرد بدون أي جبر أو ضغط خارجي على إتخاذ قرار
أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة.
ويشير الدين الأسلامي الحنيف إلي الحرية حيث لا وساطة بين العبد وربه ، وذلك في قوله تعالي:﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ ( سورة البقرة الآية: 186 ). فهذه الآية تعطينا دافعاً كبيراً إلى أن نسأل الله وحده.
وكذلك فأن الدين الأسلامي الحنيف يشير إلي أنه لا قداسة لفرد بعينه فالبشر جميعا من أصل واحد ( كلكم لآدم وآدم من تراب )، ويشير الدين الأسلامي الحنيف إلي رفع قيمة التقوى والعمل الصالح كأساس في تقييم البشر، وذلك في قوله تعالي:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
( سورة الحجرات الآية: 13 ).  
وتكتسب قضية الحرية أهمية متزايدة في واقعنا العربي والاسلامي، بسبب أن معظم الحكومات هي في قائمة الدول المنتهكة لحرية مواطنيها وشعوبها. أما في المجال الدولي فنحن نجد أن انتهاك الحرية يمارس بصورة أوضح نتيجة لثنائية القيم بين الداخل والخارج، أو نتيجة للتكتلات الدولية أو المصالح السياسية أو النزعات العنصرية... فالحرية نموذج للمفاهيم التي يحاول الغرب فرض عالميتها على الشعوب الأخرى في إطار محاولته فرض سيطرته وخدمة مصالحه القومية وهو يستغل ذلك سياسياً، كما يحدث في العلاقات الدولية وفي الدفاع عن حرية بعض الأقليات بهدف زعزعة وضرب النظم السياسية المخالفة لقيمه وتوجهاته
أو الخارجة عن الشرعية الدولية والنظام الدولي. 
ب-اكتساب الحقوق :
 واكتساب الحقوق هي الحصول علي تلك الحقوق الأصلية في طبيعتها، والتي بدونها لا يستطيع الإنسان العيش كبشر. حيث إن حقوق الإنسان وحريته الأساسية تمكننا أن نطور ونستعمل على نحو كامل خصالنا الإنسانية وقدراتنا العقلية ومواهبنا، فهي تتميز بوحدتها وتشابهها، باعتبارها ذات الحقوق التي يجب الاعتراف بها واحترامها وحمايتها، لأنها جوهر ولب كرامة الإنسان.
ومن ضمن الحقوق الأساسية: الحق في الحياة، الأمان الشخصي، المحاكمة العادلة. ويلاحظ في ظل النظام الدولي الجديد أن فكرة حقوق الإنسان قد اكتسبت قوة جديدة من خلال الهيمنة الأمريكية المغلفة بغلاف إنساني لا يمكنه الصمود أمام أي اختبار حقيقي. هذا بالإضافة إلى أن مضمون حقوق الإنسان كما هو وارد في المواثيق الغربية والدولية ليست حقوق إنسان وإنما هي حقوق مواطن. ذلك أن ما يرد في سياق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من نصوص إنما يربط ما بين حقوق معينة وبين المواطن المنتمي لمجتمع بعينه مما يمنع الإنسان الآخر (الأجنبي) من ممارسة مثل هذه الحريات ومن التمتع بمثل هذه الحقوق وهو ما يقيد شمولية هذه الحقوق بقيود واعتبارات سياسية. إن هذه التحفظات على التصور الغربي لحقوق الإنسان ضرورية من أجل إبراز خصوصية التصور الإسلامي لهذه المسألة حيث الغاية الأساسية هي تحرير الإنسان الذي هو أكرم المخلوقات جعله الله خليفة في الأرض وزوده بالعقل وأراد من خلال الإسلام ومبادئه ونظمه، تحريره وحمايته وتكريمه.
فالإسلام بهذا المعنى، ينظر إلى الحقوق باعتبارها ضرورات فطرية بل واجبات.. فالأكل والملبس والسكن والأمن وحرية الفكر والاعتقاد والتعبد والتعلم والمشاركة في صياغة النظام العام للمجتمع والمراقبة ومحاسبة أولياء الأمور... واجبات لا يجوز إهمالها ولا يجوز لأحد أن يحول بين الإنسان وبين قيامه بهذه الواجبات والحقوق. إن هذه الحقوق ليست هبة من مخلوق، يعطي متى شاء ويمنع متى شاء، بل الله سبحانه وتعالى هو الذي أمر بها، فهي لأجل ذلك ثابتة ودائمة فالاستناد إلى شريعة الله، كما نرى، يرفع من قيمة هذه الحقوق المستمدة منها ويجعل الالتزام بها طاعة لله سبحانه مما يكسبها قداسة تمنع المؤمنين من تجاوزها، وهذا بحد ذاته يفرض منهجاً مختلفاً في التعامل مع مسألة حقوق الإنسان: لابد من تربية الإنسان الفرد والجماعة والسلطة على احترام هذه الحقوق بما يكفل قوة تأثيرها في الفرد والمجتمع والسلطة.
فتقرير حقوق الإنسان في الإسلام، شمل الحقوق الشخصية، والذاتية، والفكرية، والسياسية، والقانونية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأكد على الحريات العامة والمتنوعة.
وشمل الرجال، والنساء اللائي هنّ شقائق الرجال، كما ورد في الحديث، والأطفال، وهم الذرية الضعاف الذين تمتعوا بالرعاية الشرعية، كما شمل المسلمين وغير المسلمين، بما أقر من حرية التدين وما شرع لحمايتها.
ولا نأتي بجديد إذا أشرنا إلى أن المرأة في الرؤية الإسلامية، مخلوق كامل الأهلية، ومحل لخطاب التكليف كالرجل، فهي أهل للتملك والتصرف، والتفكير والتعبير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. بل نقول : لقد استدركت المرأة المسلمة في تاريخنا الثقافي، على كبار الصحابة.
ولقد جعل الإسلام حسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أعلى مراتب حق التفكير والتعبير، التي تشكل الحماية لهذه الحقوق، هي مسؤولية الفرد والجماعــة والــدولة، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب هؤلاء جميعًا، وبــه تتحقق خيريــة الأمـة، يقــول تعالــى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عـن المنكر وتؤمنون باللّه }، { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }، { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }.
وجعل ضمور هذه الحسبة، التي تحمي الحقوق، وتهميشها والتوقف عن ممارستها، سببًا للانقراض، ومجلبة للّعن وغضب اللّه، فقال تعالى : { لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون }.
وسوف نتناول بعض الحقوق تتمثل فيما يلي:
حرية التفكير والتعبير :
أن حرية التفكير والتعبير والضمير والتدين، أصل عقيدي في دين الإسلام، إذ الأساس في الاعتقاد الإخلاص، لذلك نرى أن إحدى سور القرآن سميت بسورة (الإخلاص)، وهي التي تلخص عقيدة التوحيد وتعرض لها.. وعقيدة الإيمان، تربي في نفس المؤمن الإصرار على اعتناق ما يراه حقًّا، والتعبير عنه، وعدم السماح للرياء والأهواء بالضغوط عليه.
ولعل حرية التدين، والنص على عدم الإكراه فيه، تأتي على قمة هذه الحريات. والأمر الذي لفت النظر حقًّا في هذا المجال، أن الإسلام تجـاوز عـن الخطأ ولم يحاسب عليه،
قال رسول اللّه "ص" : إن اللّه تجاوز ـ وفي روايــة : وضـع ـ عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، إلا في موضوع التفكير، فإنه اعتبر لإعمال الفكر والاجتهاد الخاطىء أجراً، وللمصيب أجريْن، ليمارس الناس إنسانيتهم، ويستعملوا عقولهم.
حق الفرد في كفالة الدولة :
يُراد بهذا الحق أن يجد الفرد ضمانًا عامًا من الدولة عند الحاجة والعوز، يقرر ذلك قول الرسول "ص" : "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته".
وقال الرسول الحاكم "ص" : "من كان معه فَضْلُ ظَهْرٍ فليَعُدْ به على ما لا ظهر له،
ومَن كان له فَضْلُ زادٍ فليَعُد به على مَن لا زاد له".
كفالة الدولة لغير المسلم :
وكفالة الدولة لرعاياها الفقراء، لا تقتصر على المسلمين فقط، بل تشمل غير المسلمين ما داموا فقراء يستحقون العون، ويكفي هنا أن نشير إلى ما كتبه الخلـيفة عـمر بـن عـبد العزيز رضي اللّه عنه إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة : "مــا بعد : وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فاجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه".
حق الجنسية لغير المسلم :
"الذمي"، هو المصطلح الذي يُطلق على غير المسلم في الدولة المسلمة، يتمتع بجنسية دار الإسلام، لأن جنسية الدولة الإسلامية تقوم على الإيمان والأمان، أي : إما بإسلام الشخص
أو بعقد الذمة، ولهذا نجد الفقهاء يقولون عن الذمي : إنه من أهل دار الإسلام، وأهل دار الإسلام يحملون جنسيتها، ولهم الحق في التنقل، والاعتقاد، والعبادة، وحُرمة المسكن..
ومن الوثائق المهمة المقررة لهذه الحقوق، عهد الرسول "ص" : لأهل نجران : "ألا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر". والرسول "ص" يقول : "لا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفسٍ، فأنا حجيجه يوم القيامة".
حق الحرية لغير المسلم :
الحرية الشخصية مضمونة لغير المسلمين، لأن القاعدة التي قررها الفقهاء : لهم ما لنا وعليهم ما علينا.. وأنهم كما يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : "إما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا".. وفي الحديث: "من آذى ذميًا فأنا خَصْمُه، ومن كنت خَصْمَه خَصَمْتُه يوم القيامة".
ولا بد هنا من التذكير بما وضعه الإسلام من ضوابط للحرية الشخصية بوجه عام، ذلك أن الحرية الشخصية المطلقة التي تؤكد عليها الحضارة الغربية، انتهت بالإنسان إلى تدمير نفسه، والعبث بأمنه واستقراره النفسي والمادي والأسري.
حيث أدت هذه الحرية المطلقة، إلــى وجـود أعـداد ضخمة ومخيفـة مـن الشـواذ، والأولاد غير الشرعيين، وحوادث الخيانات الزوجية، وحالات الاغتصاب، وتفشي الأمراض، المؤدية إلى الانقراض السكاني، وشيخوخة الشعوب، وتفكك الأسر، واتساع نطاق الجرائم والإصابات النفسية.
الأمر الذي يؤكد من جديد، أن الإنسان أعجز من أن يشرع لنفسه، وأنه متأثر بأهوائه وشهواته التي قد تدمره، وتعبث بأمنه واستقراره وتذهب بسعادته، الأمر الذي ما يزال العالم الإسلامي بمنأى عنه إلى حد ما، لما يتمتع به من بقية قيم إسلامية، ما يزال يحتفظ بها.
أما حرية العقيدة والعبادة، فشأنها معروف، يحكمها قوله تعالى : { لا إكراه في الدين }، ولا أدل على ذلك من الوجود الفعلي لغير المسلمين في الدولة الإسلامية، عبر التاريخ الطويل.
حق التملك :
اعترفت الشريعة بحق التملك والتصرف، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }، فنسبت المال إلى الإنسان.. لكن الشريعة الإسلامية تعتبر أن المالك الحقيقي للمال هو اللّه : { للّه ملك السماوات والأرض وما فيهنَّ }، وأن الإنسان
مستخلف في المال ووكيل عليه، قال تعالى : { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه }،
لذلك لا يجوز للإنسان أن يتصرف بالمال كسبًا ولا إنفاقًا، إلا طبقًا لشرع المالك الأصلي.. ومن هنا وضع الإسلام ضوابط للكسب وضوابط للإنفاق والتنمية، وأجازت نزع الملكية للضرورة، بعد دفع التعويض العادل.
حق العمل :
جعل الإسلام العمل حقًّا للإنسان وواجبًا عليه في الوقت نفسه، لكسب عيشه، حتى لا يكون عالة على غيره، لذلك قال الرسول "ص" للذين يعولون من انقطع عن العمل للعبادة : "كلكم أعبد منه".
واعتبر العمل عبادة، فقال تعالى : { فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه }. وقال الرسول "ص" : "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل اللّه،
أو القائم الليل، الصائم النهار".
إلا أن واقع المسلمين اليوم يدعو إِلى الحزن، فعلى الرغم من ميراثهم الثقافي العظيم، بالنسبة لغيرهم، فإنهم ينامون في النور، وغيرهم يستيقظ في الظلام، فالمشكلة اليوم ليست فيما شرعه وقرره الإِسلام للإنسان من حقوق، حيث لم يعد ذلك خافيـًا على أحد، وإِنما الإِشكالية الحقيقية التي يجب أن تُعقد لها الندوات والمؤتمرات، هي في النظر بكيفيات استرداد هذه الحقوق المسلوبة لعالم المسلمين، ومحاولة إِشاعتها في العالم كله، لإِلحاق الرحمة بالنـاس، استجابــة لقولــه تعــالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }.
ب- تحقيق المساواة :
هناك اختلاف بين مفهوم العدل والمساواة. فالعدل في اللغة ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور، أما المساواة هي التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تمييز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المستوى الاجتماعي.
وبمعني آخر فالعدل ان ينال كل ذي حق حقه، اما المساواة فهي ان ينال الجميع حقوق متساوية. ونضرب مثلاًًًًً بين تلاميذ صف واحد ..فتارة يمنح الاستاذ لجميع التلاميذ درجات متساوية، وتاره اخرى يمنح كل حقه، فما فعله الاستاذ اولاًًًً يعني المساواة، ومافعله ثانيا يعني العدل.
ولم يأت في القرآن أبداً‏:‏ أن الله يأمر بالمساواة‏!‏ لكن جاء‏:‏ ‏{‏إن الله يأمر بالعدل‏}‏
‏[‏النحل‏:‏ 90‏]‏، ‏{‏وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏‏.‏وأخطأ على الإسلام من قال‏:‏ إن دين الإسلام دين المساواة‏!‏ بل دين الإسلام دين العدل، ولهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة‏:‏‏{‏قل هو يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏}‏
‏[‏الزمر‏:‏ 9‏]‏،‏{‏هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 16‏]‏،‏
{‏لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 10‏]‏،‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 95‏]‏‏.‏
أما في شأن المساواة بين الرجل والمرأة فقد قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: 228]. فالمساواة بين الرجل والمرأة في أخذ الحقوق وأداء الواجبات، قيمة سامية، وغاية نبيلة، يسعى إليها الجميع، ذكرًا أو أنثى، إلا أنها أصبحت سلاحًا ذا حدين، يستخدمه أعداء المرأة في الداخل والخارج حيث جعلوا منها أداة لخدمة أهدافهم غير النبيلة.
وجاء الإسلام ووضع المرأة في مكانها الطبيعي، وأعاد إليها حقوقها ومكانتها التي سُلِبَتْ منها، تحت ظلام الجهل وفساد العادات والتقاليد.فأكد الإسلام على وحدة الأصل والنشأة بين الذكر والأنثى، فقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1].
ورفض الإسلام موقف المشركين وتبلد مشاعرهم، وعدم تفهمهم لدور المرأة في الحياة، وكونها أصيلة في نظام الحياة أصالة الذكر، بل هي المستقر له، فهي أشد أصالة لبقاء الأسرة، ولذلك نظر إليها الإسلام على أنها هدية من الله، وقدم القرآن ذكرها على الذكور، قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى: 49-50].
ولقد وضع الإسلام المرأة على بساط الاحترام والتكريم والمودة، بما يهيئ المجتمع نفسيًّا ليستقبل كل وليدة بصدر مطمئن ونفس راضية واثقة في عون الله، قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31].
كما كرم الإسلام المرأة وهي في مرحلة الشباب، فمنحها أهلية التعبير عن إرادتها في أخص شؤون حياتها، وهو تكوين بيتها واختيار زوجها، قال رسول الله (ص) : (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: (أن تسكت) [مسلم].
وجعل الإسلام للمرأة كيانًا متفردًا، ومنحها العديد من الحقوق كحرية التملك على قدم المساواة مع الرجل، قال تعالى : {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا}[النساء: 7].
واحترم الإسلام هذه الملكية وعززها بمنح المرأة حرية التصرف فيها، قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء: 4].
وساوى القرآن بينها وبين الرجل أمام القانون في الحقوق والواجبات؛ كحق إبرام العقود وتحمل الالتزامات، وحق الدفاع عن حقوقها أمام القضاء. فقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228].
وأما ما يقال عن أن بعض أحكام الإسلام فيها مساس بالمرأة كالميراث ؛ حيث يكون نصيبها نصف نصيب الرجل، وكالشهادة؛ فشهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، وكالطلاق، وتعدد الزوجات، فهذه الأمور هي في جوهرها تكريم للمرأة، وصون لمكانتها، فالفرق في هذه الأمور جاء – كالفرق بين العدل والمساواة- حفاظًا على كرامة المرأة، واحترامًا لطبيعة تكوينها:
- فأما عن الميراث وكونه نصف ميراث الرجل في بعض الحالات، فقد قابل الإسلام هذا الأمر بما يعادله في حق الرجل، فقد ألزم الشرع الكريم الرجل بالإنفاق على المرأة، في كل طور من أطوار حياتها، فالبنت في مسؤولية أبيها أو أخيها أو من يقوم مقامهما، والزوجة نفقتها على زوجها، ولا نفقة عليها، وقد قرر الله -تعالى- ذلك بقوله: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34]. وفي بعض الحالات قد يفوق ميراث المرأة ميراث الرجل بحسب القرابة، فليس الأمر دائمًا أن يكون ميراثها نصف ميراث الرجل.
- وأما بالنسبة للشهادة؛ فقد راعى الشارع الكريم في ذلك الخصائص النفسية للمرأة، فالمرأة عاطفية بحكم تكوينها النفسي، وقد تغلب عاطفتها؛ ولذا قال تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282].كما أن المرأة بطبيعة حركتها الاجتماعية لا تشاهد ما يشاهده الرجل، ولا تشترك فيما يكسبها الخبرة وما يؤهلها لعدم الخديعة ببعض المظاهر الكاذبة، وقد يوقعها ذلك في المحظور من حيث لا تشعر، ومع ذلك فقد أعطى الشرع الحنيف للمرأة حق الشهادة فيما تختص هي بممارسته، كالشهادة في الإطلاع على المولود عند الولادة ونحو ذلك؛ وذلك لأن الشهادة تتفاوت بحسب موضوعاتها، وقد تقبل شهادة المرأة منفردة، كما قدم شهادة المرأة فيما يخص أمور النساء كالولادة وغيرها.
- وأما عن الطلاق؛ فعاطفة المرأة غلابة، وغضبها قريب، ولذا أعطى الله للرجل سلطة
 التطليق المباشر لما يميزه من تريث وتحكيم للعقل قبل العاطفة، ولما يستشعره من عواقب الأمور، وفي الوقت نفسه لم يحرم الإسلام المرأة من طلب الطلاق، إذا وقع عليها من الضرر مالا تحتمله، أو ضاقت سبل العيش بينها وبين زوجها، وأصبح من المستحيل استمرار الحياة، وفي كلتا الحالتين يأخذ كل من الزوج والزوجة حقه.
- وبالنسبة لتعدد الزوجات؛ فهو علاج لكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل العاقر التي لا تنجب ويرغب زوجها في الولد ولا يريد فراقها، وكذلك زيادة عدد النساء عن الرجال في بعض الظروف مثل الحروب. كما أن المرأة هي وعاء النسل ومحضنه، ولا يعقل أن تطلب حق تعدد الأزواج لتختلط الأنساب وتضيع الأعراض، ومقابل ذلك شرط الإسلام العدالة عند التعدد والقسمة العادلة بين الزوجات. شقائق الرجال:
لقد جاء في الحديث الشريف، أن النبي (ص) قال: (إنما النساء شقائق الرجال) [أبو داود والترمذي]، فالرجل والمرأة سواء أمام الله، ورُبَّ امرأة تقية أكرم عند الله من الرجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]، فالجنة ليست وقفًا على الرجال دون النساء. ولقد ضرب القرآن الكريم المثل في الصلاح بالمرأة، فقال تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 11- 12]. لقد جاء الإسلام بقيم ومبادئ ترفع من مكانة المرأة وتصون لها كرامتها، ولكن ظهر الخطر وصوبت السهام ضد الإسلام والمسلمين، فهل تنتصر المسلمة لدينها وتصد كيد الطامعين؟! قال تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32].